## نهاية الابن الضال: دراسة حالة في إشكالية الإدمان والجريمة
في مشهدٍ مأساويٍّ هزّ
مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، أقدم أبٌ على قتل ابنه ذي الثمانية عشر
ربيعاً، مُلقياً بجثته في مياه بحر شبين بعد أن حملها في مركبة "توك توك"
بمساعدة صديق الضحية. تلك الجريمة البشعة.
## نهاية الابن الضال: دراسة حالة في إشكالية الإدمان والجريمة |
التي تُثير تساؤلاتٍ عميقة
حول مسؤولية الأسرة والمجتمع في مواجهة ظاهرة الإدمان، تستدعي تحليلاً دقيقاً
للوقائع والأسباب والدوافع التي أدت إلى هذه النهاية المأساوية.
بداية عن الأب
يُروى أن الأب، الذي
وصفه البعض بأنه كان حنوناً رقيقاً، ضاق ذرعاً بسلوك ابنه المُدمن. لم تكن هذه
مجرد تصرفاتٍ مراهقةٍ عادية، بل تجاوزت ذلك بكثير لتصل إلى جرائم سرقةٍ متكررة، من
المنزل ومن المارة في الشارع، بهدف تمويل إدمانه على المخدرات. لم تكن محاولات الأب المتكررة لإصلاح ابنه،
وإعادته إلى الطريق الصحيح، مجدية. فقد
سيطر الإدمان على سلوك الابن، محوّلاً إياه إلى شخصٍ لا يُطاق، يفتقر إلى
المسؤولية والأخلاق، يُسبّب المشاكل مع أفراد العائلة ومع الجيران، مُخلفاً وراءه سلسلة طويلة من المشاكل والديون.
- يبدو أن الأب، بعدما استنفد كل الوسائل المتاحة
- وأصبح عاجزاً عن السيطرة على سلوك ابنه
- وصل إلى حالة من اليأس والإحباط الشديدين.
- في لحظة ضعفٍ، و تحت وطأة الضغط النفسي الهائل
- سقط فريسةً لإغراءات شيطانه، مُعتقداً أن التخلص من ابنه
- هو الحل الوحيد لإنهاء معاناته ومعاناة أسرته.
- لم يكن هذا قراراً مُتّخذاً ببرودةٍ دم
- بل كان نتيجةً لسنواتٍ من المعاناة والفشل في
مواجهة مشكلةٍ عجز عن حلها بمفرده.
لم يرتكب الأب الجريمة وحدة
ولكن، لم يرتكب الأب هذه الجريمة وحيداً. لقد استعان بصديق ابنه، الذي كان على درايةٍ
بسلوك الضحية المُدمن وأفعاله المُشينة. يُشير
هذا إلى وجود علاقةٍ مُشبوهة بين الصديق والابن،
ربما علاقةٌ مبنية على المُشاركة
في ارتكاب الجرائم أو على الأقل التغاضي عنها.
شارك الصديق في نقل جثة الضحية وإلقائها في بحر شبين، مُتوهمين أن الجريمة
ستُغطّى بسهولة، وأنّها ستختفي بالتحلل في
مياه البحر وسط نباتات "ورد النيل".
ولكنهم أخطأوا في تقديرهم، فلم تكن
هذه الجريمة كاملةً كما تصوّروا.
- لم تمر الجريمة مرور الكرام.
- فقد عثر عمال النظافة أثناء قيامهم بأعمال تطهير بحر شبين على الجثة
- ما أدّى إلى إبلاغ السلطات الأمنية. بدأت التحقيقات على الفور
- و تم جمع الأدلة وسماع شهود العيان
- ليتم الكشف عن هوية القاتل ومساعده.
- أمام رجال النيابة العامة، اعترف الأب وصديق ابنه بارتكاب الجريمة
- مُبرّرين فعلتهما بِسلوك الضحية المُدمن وسلسلة جرائمه.
سؤال مهم
أمام هذه الوقائع، يُطرح سؤالٌ مُهم: هل كان قتل الابن هو الحل
الأمثل؟ الجواب بكل تأكيد لا. مهما كانت تصرفات الابن مُدمرة، فإنّ القتل ليس
حلاً، بل هو جريمةٌ أخرى تُضاف إلى سلسلةٍ من الجرائم. لكن هذه الجريمة تُظهر بوضوحٍ حجم المعاناة
التي تُلحقها ظاهرة الإدمان بالأسرة والمجتمع.
فالإدمان ليس مرضاً يصيب الفرد وحده، بل يُؤثر سلباً على أفراد أسرته
ومحيطه، ويُسبّب لهم الضرر النفسي والمادي.
- يتطلّب حلّ هذه المشكلة جهوداً مُشتركةً من مختلف الجهات المعنية.
- يجب توفير برامج علاجية فعّالة للمُدمنين
- وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لأسرهم.
- كما يجب تشديد العقوبات على تجار المخدرات
- والعمل على منع انتشار هذه الآفة.
- يُعدّ التوعية المجتمعية من أهمّ الأدوات للوقاية من الإدمان
- من خلال نشر الوعي بأضراره وخطورته على الأفراد
والأسر والمجتمع.
وليس حلّ مشكلة الإدمان
مسؤوليةً على عاتق الأسرة وحدها، بل هي مسؤوليةٌ مُشتركةٌ بين الأسرة والمدرسة
والمجتمع ككل. يجب توفير بيئةٍ صحيةٍ
وداعمة للشباب، تُساعدهم على تجاوز
الصعوبات والتحديات التي قد تواجههم،
وتُنمّي فيهم القيم الأخلاقية والإنسانية.
في ختام هذه الدراسة
تُمثّل جريمة قتل الابن
الضال دراسةً حالةٍ مُؤلمة تُبرز خطورة
الإدمان وتداعياته الوخيمة. إنها دعوةٌللجميع للعمل معاً من أجل مكافحة هذه الآفة، و حماية الشباب من مخاطرها، وإيجاد
حلولٍ بديلةٍ فعّالةٍ تُساعد في علاج المُدمنين وإعادة دمجهم في المجتمع. فإن إنقاذ حياة مُدمنٍ واحد، هو إنقاذ لأسرته
وللمجتمع ككل.